بسم الله الرحمن الرحيم
إخوانى وأخواتى فى
منتدى قرية الشيخ حسين
إليكم هذا المقال للكاتب والمفكر الاسلامى الكبير فهمى هويدى
إذا كنا قد أدركنا شيئا مما يرتبه فلول النظام السابق في الداخل، فإن ما يرتبه حلفاؤه في الخارج لا يزال خفيا عنا. ومع ذلك فبين أيدينا دليل يبين لنا كيف فكروا في الأمر وتحسبوا له قبل أن يقع، الأمر الذي يسلط ضوءا كاشفا على نواياهم بعد الذي وقع.
(1)
أتحدث عن القراءة الإسرائيلية للعلاقة مع مصر، كما رآها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر في محاضرته التي ألقاها على الدارسين في معهد أبحاث الأمن القومي بتل أبيب في شهر سبتمبر/أيلول عام 2008، وفيها شرح موقف إسرائيل إزاء المتغيرات المحتملة في العديد من دول المنطقة، ومن بينها مصر، وهى المحاضرة المهمة التي أشرت إليها أكثر من مرة من قبل، لكنني وجدت أن قراءتها باتت أكثر من ضرورية بعد ثورة 25 يناير، التي لم تخطر لأحد على بال، لا نحن ولا هم ولا أي طرف آخر في الكرة الأرضية، ذلك أنهم تصوروا أن التغيير "الدراماتيكي" الذي يمكن أن تشهده مصر لا يخرج عن أحد احتمالات ثلاثة، على حد تعبير السيد ديختر، هذه الاحتمالات تتمثل في ثلاثة سيناريوهات هي:
1- سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة بوسائل غير شرعية، أي خارج صناديق الاقتراع، وهذا السيناريو يفترض أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تدهورت بشدة في مصر، الأمر الذي يفقد النظام القائم القدرة على السيطرة على الوضع، ويؤدي إلى انفلات زمام الأمن، بما يمكن أن يؤدي إلى حدوث فوضى واضطرابات، في ظلها يجد الإخوان فرصتهم لتحقيق هدفهم في الوصول إلى السلطة.
2- حدوث انقلاب عسكري، وهو احتمال استبعده المخططون الإسرائيليون في الأجل المنظور، إذ اعتبروا أن الأوضاع في مصر قد تسوء إلى درجة خطيرة، مما قد يدفع قيادات عسكرية طموحة إلى السعي لركوب الموجة والاستيلاء على السلطة، لكن لدى إسرائيل العديد من الأسباب الوجيهة التي تجعلها تتعامل مع هذا الاحتمال باعتباره مجرد فرضية، ومن ثم تستبعد وقوعه.
3- أن تتفاقم الأوضاع في مصر، بحيث يعجز عن إدارة البلاد خليفة مبارك الذي راهن الإسرائيليون على أنه سيكون واحدا من اثنين: إما جمال مبارك أو السيد عمر سليمان، مما يترتب عليه حدوث موجات من الفوضى والاضطرابات في أنحاء مصر، وهو وضع قد يدفعها إلى محاولة البحث عن خيار أفضل يتمثل في إجراء انتخابات حرة تحت إشراف دولي تشارك فيها جماعات سياسية وحركات أكثر جذرية من حركة كفاية، لتظهر على السطح خريطة جديدة للتفاعلات الداخلية.
بعد عرضه لهذه السنياريوهات الثلاثة قال السيد ديختر ما نصه: في كل الأحوال فإن عيوننا وعيون الولايات المتحدة ترصد وتراقب، بل وتتدخل من أجل كبح مثل هذه السيناريوهات، لأنها ستكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب.
(2)
في محاضرته ركز وزير الأمن الداخلي على نقطتين أساسيتين هما: أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على الوضع في مصر بعد رحيل الرئيس مبارك، ومواجهة أي تطورات لا تحمد عقباها، بمعنى حدوث تحولات مناقضة للتقديرات الإسرائيلية، الثانية أنه مهما كانت الظروف فإن انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع إسرائيل يعد خطا أحمر، لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تسمح بتجاوزه، وهى ستجد نفسها مرغمة على مواجهة هذا الموقف بكل الوسائل.
اعتبر الرجل أن العلاقات بين إسرائيل ونظام الرئيس مبارك "أكثر من طبيعية"، وهو ما سمح للقادة في تل أبيب ببلورة عدة محددات تجاه مصر، تمثلت فيما يلي:
* تعميق وتوطيد العلاقات مع فريق الرئيس المصري، ومع النخب الأخرى الحاكمة المتمثلة في قيادات الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، ومع رجال الأعمال.
* توسيع قاعدة العلاقة مع المنظومة السياسية والاقتصادية والإعلامية من خلال الارتباط بمصالح مشتركة تنعكس بالإيجاب على الجانبين.
* السعي لصوغ علاقة أقوى مع العاملين في المجال الإعلامي بمصر، نظرا لأهمية دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وبلورة اتجاهاته.
وهى تنسج علاقاتها في هذه الاتجاهات، فإن السعي الإسرائيلي حرص على إقامة علاقات ويتفق مع أقوى شخصيتين في مصر ستلعبان دورا رئيسيا في الإمساك بمقاليد السلطة بعد رحيل الرئيس حسنى مبارك، وهما ابنه جمال واللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية.
هذا الارتياح إلى التمدد الإسرائيلي في الساحة المصرية لم يحجب عنها حقيقة القلق الذي يعاني منه المجتمع، وهو ما عبر عنه السيد ديختر بقوله إن النظام في مصر يعاني من عجز جزئي في إحكام سيطرته على الوضع بقبضة من حديد، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل حريصتان قدر الإمكان على تدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام، ومن بين تلك الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار، قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها باستمرار ووضعها تحت تصرف القيادات في كل من واشنطن وتل أبيب والقاهرة.
وأضاف صاحبنا في هذا الصدد أن الولايات المتحدة وإسرائيل -وهما تتحركان بشكل حثيث لتأمين النظام القائم في مصر- تحرصان عبر ممثليهما المختلفين في مصر (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على تقديم كل صور العون لحملة انتخاب جمال مبارك رئيسا للجمهورية بعد رحيل أبيه، والهدف من ذلك هو تمكينه من الفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري، ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية لكي يصبح أكثر قبولا من والده.
(3)
وهما تسعيان إلى تأمين النظام القائم، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تبنتا إستراتيجية ثابتة في هذا الصدد، شرحها آفي ديختر على الوجه التالى: منذ دخلت الولايات المتحدة إلى مصر عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولي السادات زمام الأمور، فإنها أدركت أنه لابد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية في أرجائها على غرار ما فعلته في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، وانطلقت في ذلك من اقتناعها بأن من شأن تلك الركائز أن تحجم أي مفاجآت غير سارة تحدث في مصر. والخطة الأميركية التي تغطي ذلك الجانب تعتمد على مجموعة من العوامل هي:
* إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لكل عناصر القوة والنفوذ في مصر، الطبقة الحاكمة وطبقة رجال الأعمال والنخب الإعلامية والسياسية.
* شراكة أمنية مع أقوى جهازين لحماية الأمن الداخلي مباحث أمن الدولة والداخلية والقوات الخاضعة لها وجهاز المخابرات العامة.
* تأهيل محطات إستراتيجية داخل المدن الرئيسية مراكز صنع القرار القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والسويس وبورسعيد.
* الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة في القاهرة، في جاردن سيتي والجيزة والقاهرة (مصر الجديدة) بإمكانها الانتشار خلال بضع ساعات والسيطرة على مراكز عصب الحياة في القاهرة.
* مرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد داخل مصر وبجوارها في الغردقة والسويس ورأس بناس.
وهو يعلق على هذه الركائز، قال إننا لا نستطيع أن نؤكد أننا حققنا المستوى المنشود، من توفير الضمانات التي من شأنها أن تصد أي احتمالات غير مرغوبة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة. لكننا أنجزنا بعض الخطوات على الأرض، ونحسب أن بوسعها أن تكبح أي تطورات مباغتة أو عاصفة قوية، وفي كل الأحوال فإن إسرائيل قررت أن تعظم وتصعد من وتيرة وجود ونشاط أجهزتنا التي تسهر على أمن الدولة وترصد التطورات التي تحدث في مصر، الظاهرة منها والباطنة.
إلى جانب عمليات القائمين التي تم اتخاذها، فإن إسرائيل بذلت جهدا من نوع آخر لمساندة نظام الرئيس مبارك، عن طريق دعوة الحلفاء الأميركيين إلى عدم تقليص حجم الدعم الذي يقدم إلى مصر لتمكين الرئيس مبارك من مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة، التي يمكن أن تحدث انفجارات تهز نظامه.
وهو يصف الوضع في مصر، ذكر ديختر أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية من ذلك النوع غير القابل للحل، وقال إن كل الإصلاحات الاقتصادية التي طبقت في مصر في عهد مبارك لم تسهم على الإطلاق في حل تلك الأزمات، وحتى المساعدات الأميركية السنوية البالغة 2.5 مليار دولار لم تعالج الخلل في الهيكل الاقتصادي والاجتماعي المصري لأن هناك خللا بنيويا في الاقتصاد المصري تصعب معالجته بمساعدات هي مجرد مسكنات تخفف من الآلام بشكل مؤقت ثم تعود الأزمة لتستفحل وتتفاقم، وكانت نتيجة ذلك أن الأوضاع عادت في مصر إلى ما كانت عليه قبل عام 1952، الأمر الذي أدى إلى حدوث الانقلاب، الذي قام به ضباط الجيش في ذلك العام، وهو ما أثار مخاوف نظام مبارك، وكذلك مخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وهى التي يمكن أن تبد أي تغيير غير مرغوب فيه، وإذا ما حدث ذلك فإن تداعياته لن تكون مقصورة على مصر، ولكن آثارها ستنعكس على عموم المنطقة.
(4)
هل هناك تهديد حقيقي يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام في مصر، وإذا كان الرد بالإيجاب، فماذا أعدت إسرائيل لذلك الاحتمال؟.. ذكر آفي ديختر أن هذا السؤال يتردد باستمرار داخل مراكز الدراسات الإستراتيجية في إسرائيل، وفي رده عليه قال ما يلي: إن النظام في مصر أثبت كفاءة وقدرة على احتواء الأزمات، كما أثبت قدرة على التكيف مع الأوضاع المتأزمة. ومع ذلك فهناك تهديد ناجم عن تشابك وتعقيد المشاكل والأزمات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، والآن الحزب الوطني الديمقراطي -الذي يرأسه مبارك- يهيمن على الحياة السياسية.
وفيما يخص الشق الخاص بأسلوب مواجهة إسرائيل لأي تغييرات أو تحولات جادة تحدث في مصر، فإن الوزير الإسرائيلي الأسبق أكد أن الدولة العبرية على تنسيق مع الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بهذه المسألة، وفي الوقت ذاته فإنها على استعداد لمواجهة أي طارئ بما في ذلك العودة إلى شبه جزيرة سيناء إذا استشعرنا أن تلك التحولات خطيرة، وإنها ستحدث انقلابا في السياسة المصرية تجاه إسرائيل، وأضاف "إننا عندما انسحبنا من سيناء فإننا ضمنا أن تبقى رهينة". وهذا الارتهان تكفله ضمانات أميركية، من بينها السماح لإسرائيل بالعودة إلى سيناء إذا اقتضى الأمر ذلك، وكذلك يكفله وجود قوات أميركية مرابطة في سيناء تمتلك حرية الحركة والقدرة على المراقبة، بل ومواجهة أسوأ المواقف، وعدم الانسحاب تحت أي ظرف من الظروف.
وفي هذا السياق ذكر الرجل أن إسرائيل تعلمت دروسا لا تنسى من حرب عام 1967، لذلك فإن سيناء أصبحت مجردة من السلاح ومن المحظور على الجيش المصري الانتشار فيها، وتلك هي الضمانة الأقوى لاحتواء أي تهديد افتراضي من جانب مصر، وهو يعزز رأيه بأن إسرائيل لن تتخلى تحت أي ظرف عن تمسكها بتجريد سيناء من السلاح، مضيفا أن مصر حين طلبت إدخال 600 من أفراد الشرطة -حرس الحدود والأمن المركزي- للتمركز على حدود قطاع غزة، فإن الطلب درس دراسة مستضيفة من جانب الطاقم الأمني، ومرت الموافقة عليه بمخاض عسير داخل الحكومة.
وهو يختتم محاضرته، قال آفي دختر إن القاعدة الحاكمة لموقف الدولة العبرية هي أن مصر خرجت من ساحة مواجهة إسرائيل ولن تعود إليها مرة أخرى، وهي قاعدة تحظى بالدعم القوي والعملي من جانب الولايات المتحدة.
هذا الاستعراض يثير أسئلة عدة حول طبيعة الأصداء، التي أحدثتها ثورة 25 يناير داخل إسرائيل، وحول مصير التجهيزات والركائز التي أعدتها بالتعاون مع الولايات المتحدة داخل مصر لمواجهة احتمالات التغيير "الدراماتيكي"، خصوصا حين وقع من حيث لا يحتسبون، وحين جاء بمن لا يتمنون، إننا لا نعرف شيئا عما يجرى تحت السطح أو يدور وراء الكواليس، لكننا ينبغي ألا نتصور أنهم يقفون صامتين وغير مبالين، ولذلك من حقنا أن نسأل عن حقيقة الدور الذي يقومون به في الوقت الراهن تحت الطاولة وبعيدا عن الأعين.
إخوانى وأخواتى فى
منتدى قرية الشيخ حسين
إليكم هذا المقال للكاتب والمفكر الاسلامى الكبير فهمى هويدى
إذا كنا قد أدركنا شيئا مما يرتبه فلول النظام السابق في الداخل، فإن ما يرتبه حلفاؤه في الخارج لا يزال خفيا عنا. ومع ذلك فبين أيدينا دليل يبين لنا كيف فكروا في الأمر وتحسبوا له قبل أن يقع، الأمر الذي يسلط ضوءا كاشفا على نواياهم بعد الذي وقع.
(1)
أتحدث عن القراءة الإسرائيلية للعلاقة مع مصر، كما رآها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر في محاضرته التي ألقاها على الدارسين في معهد أبحاث الأمن القومي بتل أبيب في شهر سبتمبر/أيلول عام 2008، وفيها شرح موقف إسرائيل إزاء المتغيرات المحتملة في العديد من دول المنطقة، ومن بينها مصر، وهى المحاضرة المهمة التي أشرت إليها أكثر من مرة من قبل، لكنني وجدت أن قراءتها باتت أكثر من ضرورية بعد ثورة 25 يناير، التي لم تخطر لأحد على بال، لا نحن ولا هم ولا أي طرف آخر في الكرة الأرضية، ذلك أنهم تصوروا أن التغيير "الدراماتيكي" الذي يمكن أن تشهده مصر لا يخرج عن أحد احتمالات ثلاثة، على حد تعبير السيد ديختر، هذه الاحتمالات تتمثل في ثلاثة سيناريوهات هي:
1- سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة بوسائل غير شرعية، أي خارج صناديق الاقتراع، وهذا السيناريو يفترض أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تدهورت بشدة في مصر، الأمر الذي يفقد النظام القائم القدرة على السيطرة على الوضع، ويؤدي إلى انفلات زمام الأمن، بما يمكن أن يؤدي إلى حدوث فوضى واضطرابات، في ظلها يجد الإخوان فرصتهم لتحقيق هدفهم في الوصول إلى السلطة.
2- حدوث انقلاب عسكري، وهو احتمال استبعده المخططون الإسرائيليون في الأجل المنظور، إذ اعتبروا أن الأوضاع في مصر قد تسوء إلى درجة خطيرة، مما قد يدفع قيادات عسكرية طموحة إلى السعي لركوب الموجة والاستيلاء على السلطة، لكن لدى إسرائيل العديد من الأسباب الوجيهة التي تجعلها تتعامل مع هذا الاحتمال باعتباره مجرد فرضية، ومن ثم تستبعد وقوعه.
3- أن تتفاقم الأوضاع في مصر، بحيث يعجز عن إدارة البلاد خليفة مبارك الذي راهن الإسرائيليون على أنه سيكون واحدا من اثنين: إما جمال مبارك أو السيد عمر سليمان، مما يترتب عليه حدوث موجات من الفوضى والاضطرابات في أنحاء مصر، وهو وضع قد يدفعها إلى محاولة البحث عن خيار أفضل يتمثل في إجراء انتخابات حرة تحت إشراف دولي تشارك فيها جماعات سياسية وحركات أكثر جذرية من حركة كفاية، لتظهر على السطح خريطة جديدة للتفاعلات الداخلية.
بعد عرضه لهذه السنياريوهات الثلاثة قال السيد ديختر ما نصه: في كل الأحوال فإن عيوننا وعيون الولايات المتحدة ترصد وتراقب، بل وتتدخل من أجل كبح مثل هذه السيناريوهات، لأنها ستكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب.
(2)
في محاضرته ركز وزير الأمن الداخلي على نقطتين أساسيتين هما: أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على الوضع في مصر بعد رحيل الرئيس مبارك، ومواجهة أي تطورات لا تحمد عقباها، بمعنى حدوث تحولات مناقضة للتقديرات الإسرائيلية، الثانية أنه مهما كانت الظروف فإن انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع إسرائيل يعد خطا أحمر، لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تسمح بتجاوزه، وهى ستجد نفسها مرغمة على مواجهة هذا الموقف بكل الوسائل.
اعتبر الرجل أن العلاقات بين إسرائيل ونظام الرئيس مبارك "أكثر من طبيعية"، وهو ما سمح للقادة في تل أبيب ببلورة عدة محددات تجاه مصر، تمثلت فيما يلي:
* تعميق وتوطيد العلاقات مع فريق الرئيس المصري، ومع النخب الأخرى الحاكمة المتمثلة في قيادات الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، ومع رجال الأعمال.
* توسيع قاعدة العلاقة مع المنظومة السياسية والاقتصادية والإعلامية من خلال الارتباط بمصالح مشتركة تنعكس بالإيجاب على الجانبين.
* السعي لصوغ علاقة أقوى مع العاملين في المجال الإعلامي بمصر، نظرا لأهمية دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وبلورة اتجاهاته.
وهى تنسج علاقاتها في هذه الاتجاهات، فإن السعي الإسرائيلي حرص على إقامة علاقات ويتفق مع أقوى شخصيتين في مصر ستلعبان دورا رئيسيا في الإمساك بمقاليد السلطة بعد رحيل الرئيس حسنى مبارك، وهما ابنه جمال واللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية.
هذا الارتياح إلى التمدد الإسرائيلي في الساحة المصرية لم يحجب عنها حقيقة القلق الذي يعاني منه المجتمع، وهو ما عبر عنه السيد ديختر بقوله إن النظام في مصر يعاني من عجز جزئي في إحكام سيطرته على الوضع بقبضة من حديد، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل حريصتان قدر الإمكان على تدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام، ومن بين تلك الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار، قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها باستمرار ووضعها تحت تصرف القيادات في كل من واشنطن وتل أبيب والقاهرة.
وأضاف صاحبنا في هذا الصدد أن الولايات المتحدة وإسرائيل -وهما تتحركان بشكل حثيث لتأمين النظام القائم في مصر- تحرصان عبر ممثليهما المختلفين في مصر (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على تقديم كل صور العون لحملة انتخاب جمال مبارك رئيسا للجمهورية بعد رحيل أبيه، والهدف من ذلك هو تمكينه من الفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري، ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية لكي يصبح أكثر قبولا من والده.
(3)
وهما تسعيان إلى تأمين النظام القائم، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تبنتا إستراتيجية ثابتة في هذا الصدد، شرحها آفي ديختر على الوجه التالى: منذ دخلت الولايات المتحدة إلى مصر عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولي السادات زمام الأمور، فإنها أدركت أنه لابد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية في أرجائها على غرار ما فعلته في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، وانطلقت في ذلك من اقتناعها بأن من شأن تلك الركائز أن تحجم أي مفاجآت غير سارة تحدث في مصر. والخطة الأميركية التي تغطي ذلك الجانب تعتمد على مجموعة من العوامل هي:
* إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لكل عناصر القوة والنفوذ في مصر، الطبقة الحاكمة وطبقة رجال الأعمال والنخب الإعلامية والسياسية.
* شراكة أمنية مع أقوى جهازين لحماية الأمن الداخلي مباحث أمن الدولة والداخلية والقوات الخاضعة لها وجهاز المخابرات العامة.
* تأهيل محطات إستراتيجية داخل المدن الرئيسية مراكز صنع القرار القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والسويس وبورسعيد.
* الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة في القاهرة، في جاردن سيتي والجيزة والقاهرة (مصر الجديدة) بإمكانها الانتشار خلال بضع ساعات والسيطرة على مراكز عصب الحياة في القاهرة.
* مرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد داخل مصر وبجوارها في الغردقة والسويس ورأس بناس.
وهو يعلق على هذه الركائز، قال إننا لا نستطيع أن نؤكد أننا حققنا المستوى المنشود، من توفير الضمانات التي من شأنها أن تصد أي احتمالات غير مرغوبة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة. لكننا أنجزنا بعض الخطوات على الأرض، ونحسب أن بوسعها أن تكبح أي تطورات مباغتة أو عاصفة قوية، وفي كل الأحوال فإن إسرائيل قررت أن تعظم وتصعد من وتيرة وجود ونشاط أجهزتنا التي تسهر على أمن الدولة وترصد التطورات التي تحدث في مصر، الظاهرة منها والباطنة.
إلى جانب عمليات القائمين التي تم اتخاذها، فإن إسرائيل بذلت جهدا من نوع آخر لمساندة نظام الرئيس مبارك، عن طريق دعوة الحلفاء الأميركيين إلى عدم تقليص حجم الدعم الذي يقدم إلى مصر لتمكين الرئيس مبارك من مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة، التي يمكن أن تحدث انفجارات تهز نظامه.
وهو يصف الوضع في مصر، ذكر ديختر أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية من ذلك النوع غير القابل للحل، وقال إن كل الإصلاحات الاقتصادية التي طبقت في مصر في عهد مبارك لم تسهم على الإطلاق في حل تلك الأزمات، وحتى المساعدات الأميركية السنوية البالغة 2.5 مليار دولار لم تعالج الخلل في الهيكل الاقتصادي والاجتماعي المصري لأن هناك خللا بنيويا في الاقتصاد المصري تصعب معالجته بمساعدات هي مجرد مسكنات تخفف من الآلام بشكل مؤقت ثم تعود الأزمة لتستفحل وتتفاقم، وكانت نتيجة ذلك أن الأوضاع عادت في مصر إلى ما كانت عليه قبل عام 1952، الأمر الذي أدى إلى حدوث الانقلاب، الذي قام به ضباط الجيش في ذلك العام، وهو ما أثار مخاوف نظام مبارك، وكذلك مخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وهى التي يمكن أن تبد أي تغيير غير مرغوب فيه، وإذا ما حدث ذلك فإن تداعياته لن تكون مقصورة على مصر، ولكن آثارها ستنعكس على عموم المنطقة.
(4)
هل هناك تهديد حقيقي يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام في مصر، وإذا كان الرد بالإيجاب، فماذا أعدت إسرائيل لذلك الاحتمال؟.. ذكر آفي ديختر أن هذا السؤال يتردد باستمرار داخل مراكز الدراسات الإستراتيجية في إسرائيل، وفي رده عليه قال ما يلي: إن النظام في مصر أثبت كفاءة وقدرة على احتواء الأزمات، كما أثبت قدرة على التكيف مع الأوضاع المتأزمة. ومع ذلك فهناك تهديد ناجم عن تشابك وتعقيد المشاكل والأزمات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، والآن الحزب الوطني الديمقراطي -الذي يرأسه مبارك- يهيمن على الحياة السياسية.
وفيما يخص الشق الخاص بأسلوب مواجهة إسرائيل لأي تغييرات أو تحولات جادة تحدث في مصر، فإن الوزير الإسرائيلي الأسبق أكد أن الدولة العبرية على تنسيق مع الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بهذه المسألة، وفي الوقت ذاته فإنها على استعداد لمواجهة أي طارئ بما في ذلك العودة إلى شبه جزيرة سيناء إذا استشعرنا أن تلك التحولات خطيرة، وإنها ستحدث انقلابا في السياسة المصرية تجاه إسرائيل، وأضاف "إننا عندما انسحبنا من سيناء فإننا ضمنا أن تبقى رهينة". وهذا الارتهان تكفله ضمانات أميركية، من بينها السماح لإسرائيل بالعودة إلى سيناء إذا اقتضى الأمر ذلك، وكذلك يكفله وجود قوات أميركية مرابطة في سيناء تمتلك حرية الحركة والقدرة على المراقبة، بل ومواجهة أسوأ المواقف، وعدم الانسحاب تحت أي ظرف من الظروف.
وفي هذا السياق ذكر الرجل أن إسرائيل تعلمت دروسا لا تنسى من حرب عام 1967، لذلك فإن سيناء أصبحت مجردة من السلاح ومن المحظور على الجيش المصري الانتشار فيها، وتلك هي الضمانة الأقوى لاحتواء أي تهديد افتراضي من جانب مصر، وهو يعزز رأيه بأن إسرائيل لن تتخلى تحت أي ظرف عن تمسكها بتجريد سيناء من السلاح، مضيفا أن مصر حين طلبت إدخال 600 من أفراد الشرطة -حرس الحدود والأمن المركزي- للتمركز على حدود قطاع غزة، فإن الطلب درس دراسة مستضيفة من جانب الطاقم الأمني، ومرت الموافقة عليه بمخاض عسير داخل الحكومة.
وهو يختتم محاضرته، قال آفي دختر إن القاعدة الحاكمة لموقف الدولة العبرية هي أن مصر خرجت من ساحة مواجهة إسرائيل ولن تعود إليها مرة أخرى، وهي قاعدة تحظى بالدعم القوي والعملي من جانب الولايات المتحدة.
هذا الاستعراض يثير أسئلة عدة حول طبيعة الأصداء، التي أحدثتها ثورة 25 يناير داخل إسرائيل، وحول مصير التجهيزات والركائز التي أعدتها بالتعاون مع الولايات المتحدة داخل مصر لمواجهة احتمالات التغيير "الدراماتيكي"، خصوصا حين وقع من حيث لا يحتسبون، وحين جاء بمن لا يتمنون، إننا لا نعرف شيئا عما يجرى تحت السطح أو يدور وراء الكواليس، لكننا ينبغي ألا نتصور أنهم يقفون صامتين وغير مبالين، ولذلك من حقنا أن نسأل عن حقيقة الدور الذي يقومون به في الوقت الراهن تحت الطاولة وبعيدا عن الأعين.