بسم الله الرحمن الرحيم
أعلم أن الموضوع طويل لكنه بحق مهم
آية الله مازندراني !!
للأستاذ / محمدبن حسن المبارك .
لا يمكن أن نمر على تاريخ الماسونية في مصر دون أن نعرِّج على سيرة من وُصِف بأنه مؤسس المدرسة الإصلاحية و أستاذها الأول جمال الدين الأفغاني ، أو "المازندراني"
ـ فمن هوالأفغاني ؟؟
ـ ولماذا جاء إلى مصر ؟؟؟؟
نسبه :
هو جمال الدين هو جمال الدين بن صفدر المازندراني المعروف بالأفغاني ولد عام 1254هـ 1838م ، و قد اختلف في نسبه و بلدته كما سيأتي
عقيدته:
يعد جمال الدين الأسد آبادي من الشخصيات التي لايزال الغموض يكتنفها والسرية تحوط معظم تصرفاتها ، إذ كان الافغاني ذا علاقة مريبة باليهود والنصارى والمرتدين ، و صلة وثيقة بالمحافل الماسونية ، بل رئيساً لأحدها وهو محفل كوكب الشرق في القاهرة، و لذلك لم يعدم الافغاني من علماء الاسلام من يفتي بكفره و انحلاله ، فقد اتهم الأفغاني بالإلحاد و الخروج من ربقة الدين عدة مرات والذي يقرأ مؤلفات الأفغاني ورسائله التي كان يرسلها لتلامذته وأتباعه يرى من خلالها أنه كان صاحب عقيدة غير سوية .
و كذلك رسائل تلامذته إليه مما ينضح بالغلو القبيح و الشرك الصريح ، فمن ذلك رسالة الشيخ محمد عبده إلى إستاذه جمال الدين الأفغاني بتاريخ 5 جمادي الأولى سنة 1300 ، يقول فيها :
( ليتني كنت أعلم ماذا أكتب لك ، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك ، صنعتنا بيدك وافضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم ، فيك عرفنا أنفسنا ، وبك عرفناك ، وبك عرفنا العالم أجمعين ، فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب ، وهو علمك بذاتك ، وثقتك بقدرتك وارادتك ، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب .
أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب واعقل العقول ، واتصرف بها في خواطر النفوس ، ومنحت منك عزمة أتعتع بها الثواب ، وأذل بها شوامخ الصعاب ، وأصدع بها حم المشاكل ، واثبت بها في الحق للحق حتى يرضى الحق ، وكنت أظن قدرتي بقدرتك غير محدودة ، ومكنتي لا مبتوتة ، ولا مقدورة ، فإذا أنا من الأيام كل يوم في شأن جديد ) .
إلى أن يقول :
( فصورتك الظاهرة تجلت في قوتي الخيالية وامتد سلطانها على حسي المشترك ، وهي رسم الشهامة ، وشبح الحكمة وهيكل الكمال ، فإليها ردت جميع محسوساتي ، وفيها فنيت مجامع مشهوداتي ، وروح حكمتك التي احييت بها مواتنا ، وأنرت بها عقولنا ،ولطفت بها نفوسنا ، بل التي بطنت بها فينا ، فظهرت في اشخاصنا ، فكنا اعدادك ، وأنت الواحد وغيبك ، وأنت الشاهد ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في قبلة صلاتي ، رقيبا على ما أقدم من أعمالي ، ومسيطر علي في أحوالي ، وما تحركت حركة ولا تكلمت ولا مضيت إلى غاية ولا انثنيت عن نهاية حتى تطابق في عملي أحكام أرواحك ؛ وهي ثلاثة فمضيت على حكمها سعيا في الخير ، واعلاء لكلمة الحق ، تأييدا لشوكة الحكمة ، وسلطان الفضيلة ، ولست في ذلك إلا آلة لتنفيذ الرأي المثلث ، ومالي من ذاتي إرادة حتى ينقلب مربعا غير أن قواي العلية تخلت عني في مكاتبتي إليك ، وخلت بيني وبين نفسي التزاما لحكم ان المعلول لا يعود على علته بالتأثير على أن ما يكون إلى المولى من رقائم عبده ليس ألا نوعا من التضرع والابتهال لا أحسب فيه ما يكشف خفاء أو يزيد جلاء ، ومع ذلك فإني لا أتوسل إليك في العفو عما تجده من قلق العبارة وما تراه مما يخالف سنن البلاغة بشفيع أقوى من عجز العقل عن إحداق نظره إليك واطرق الفكر خشية منك بين يديك ، وأي شفيع أقوى من رحمتك بالضعفاء وحنوك لمغلوبي حياء ) .
ثم يقول أيضا :
( أما ما يتعلق بنا فإني على بينة من أمر مولاي ، وان كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم ، ولكن ليس في استطاعته أن يشك نفسه في نفسه ، ولا أن يقنع عقله إلا على بالمحالات وإن كان في طوعه أن يقنع بها من أراد من الشرقيين والغربيين)انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155 .
قال الشيخ فهد الرومي معلِّقاً على خطاب محمد عبده :
( وهي عبارات ولا شك خطيرة توجب إعادة النظر في عقيدة الرجل عند من لا تخدعه الأسماء ، وقد استغرب السيد رشيد رضا نفسه هذه الرسالة من إستاذه حيث قال عند سياقه لها :
"ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين عقب النفي من مصر إلى بيروت ، وهو أغرب كتبه ، بل هو شاذ فيما يصف به استاذه السيد مما يشبه كلام صوفية الحقائق والقائلين بوحدة الوجود التي كان ينكرها عليهم بالمعنى المشهور عنهم ، وفيه من الإغراق والغلو في السيد ما يستغرب صدوره عنه ، وإن كان من قبيل الشعريات وكذا ما يصف به نفسه بالتبع لاستاذه من الدعوى لم تُعهد منه البته" ) .
انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155
فمن تلك التهم :
أـ الإلحاد :
ـ إذ قال عنه تلميذه النصراني سليم العنجوري في "شرح ديوان سحر هاروت"
عند ترجمته له : إنه سافر إلى الهند وهناك أخذ عن علماء البراهمة والإسلام أجل العلوم الشرقية والتاريخ ، وتبحر في لغة "السانسكريت" أم لغات الشرق .
وبرَّز في علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقدمية العالم ، زاعماً أن الجراثيم الحيوية المنتشرة في الفضاء هي المكونة ـ بطرق وتحول طبيعيين ـ ما نراه من الأجرام التي تشغل الفضاء ويتجاذبها الجو ، وأن القول بوجود محرك أول حكيم وهمٌ نشأ من ترقي الإنسان في تنظيم المعبود على حسب ترقيه في المعقولات . انظر : تاريخ الأستاذ الإمام (1/43 ) .
و هذه ـ بالضبط ـ هي عقيدة حكماء مصر القديمة ، التي تتبناها الماسونية من وراء حجاب ، و تُظهِرها في فترات متباعدة ـ و في مقاسات متعدِّدة .
إذ أن فلسفة الكابالا اليهودية القائمة على أرثٍ فرعوني قديم تقوم على أساس أن الكون تشكَّل بنفسه وتطور تلقائياً بعوامل المصادفات العشوائية.
يقول مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" :
( كان المصريون القدماء يؤمنون بأن المادة كانت موجودة منذ الأزل، حيث أن الدنيا وجدت بولادة النظام من رحم الفوضى والعماء و الظلام ـ وهو نفس ما كان يعتقده السومريون أيضاً ـ ، وكان لهذه الهاوية قوة داخلية ثم أمرت هذه القوة الخالقة نفسها ببدء النظام. ولم تكن هذه القدرة السرية الموجودة داخل المادة في هذه الفوضى على وعي بذاتها... كانت هذه القوة احتمالاً من الاحتمالات وقوة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء.
ويعلِّق مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" على تلك الفلسفة المصرية الوثنية بالتطرق إلى امتداداتها الحديثة قائلَين:
"..والغريب أن هذا التعريف للخلق يتطابق تماماً مع النظرة الحالية للعلم الحديث ولا سيما مع "نظرية الفوضى" من ناحية تطور الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضياً مكررة نفسها رياضياً ونتيجة للنظام".
.. والمذهل في الأمر أن هذه الفلسفة المصرية الوثنية هي الفلسفة المطروحة في أيامنا الحالية من قبل أنصار "نظرية التطور" و"نظرية الفوضى" لا سيما في مجموع طروحات ماركس و دارون مع الفلسفة الهيغلية ، إلاَّ أن الافغاني رجع الى المصادر القديمة .. فتأمل!
ـ كما اتهمه بعض علماء الأزهر بالإلحاد أيضاً ، ومنهم الشيخ عليش مفتي المالكية .
بل حتى المستشرق البريطاني (ايلي كدوري) كان يعتبر الأفغاني ملحداً، ، ودليله على ذلك عبارةُ للأفغاني ـ خلال محاورةٍ له مع المستشرق الفرنسي (رينان) ـ يقول فيها «لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين» .
وكذلك كان "كدوري" يعتبر تلميذ الأفغاني "محمد عبده" ملحداً ، مستدلاً يقول الشيخ محمد عبده في رسالة لأستاذه بتاريخ 8 شعبان سنة 1300 هـ :
( نحن الآن على سنتك القويمة لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ، ولهذا لو رأيتنا لرأيت زهادا عبادا ركعا سجدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ...) ، انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص161
، و الحاصل أن تلامذة الافغاني ساروا على نفس طريقة شيخهم ، وهي محاربة الدين باسم الدين ، كما قرَّر ذلك الشيخ محمد عبده شخصيا ، و بقلمه أيضاً .
وقد اشتهرت عنه هذه التهمة ، و لعلَّ ذلك هوما جعله يكتب رسالته في الرد
على ا لدهريين ـ مع أنه من أكابرهم ـ ليدفع عنه هذه التهمة.
يقول شبخ الاسلام مصطفى صبري ـ عن محمد عبده ـ فلعله وصديقه أو شيخه جمال الدين أراداأن يلعبا !!! في الإسلام دور لوثر وكالفين زعيمي البروستانت
في المسيحية فلم يتسنَّ لهما الأمر لتأسيس دين حديث للمسلمين ، وإنما اقتصر تأثير سعيهما على مساعدة الإلحاد المقنع بالنهوض والتجديد )) ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 1/144)
ب . القول بأن النبوة مكتسبة :
ـ و في بلاد الأناضول رماه علماء الأستانة بالإلحاد و المروق من الدين إثر محاضرة ألقاها في دار الفنون ذكر فيها أن النبوة صناعة مكتسبة .
ـ وحكى عنه شيخ الإسلام في الدولة العثمانية "حسن أفندي فهمي" أنه جعل النبوة صنعة وسوَّى بينها وبين الفسلفة فأمر شيخ الإسلام الوعاظ وأئمة المساجد أن يهاجموه حتى اضطر لمغادرة الأستانة .
و قال عنه تلميذه النصراني سليم عنجوري:
( ارتجل خطبة في الصناعات غالى فيها إلى حد أن أدمج النبوة في عداد الصناعات المعنوية فشغب عليه طلبة العلم وشددت عليه صحيفة النكير ) " تاريخ الأستاذ الإمام 1/44"
ج ـ وحدة الوجود :
ـ كما وصف الشيخ رشيد رضا ـ تلميذ تلميذه محمد عبده ـ الأفغاني بأنه كان يميل إلى وحدة الوجود التي تشتبه فيها كلام الصوفية بكلام الباطنية ،يقول رشيد رضا: (كان يميل لوحدة الوجود التي يشتبه فيها كلامه مع كلام الصوفية الباطنية ). انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .
ويؤيد ما قاله رشيد رضا ما قاله تلميذ آخر للأفغاني وهو أديب إسحاق عندما قال فيه : (كان يميل للتصوف في بدء حياته فانقطع حينًا بمنزله يطلب الخلوة لكشف الطريقة وإدراك الحقيقة ثم خرج من خلوته مستقر الرأي على حكم العقل، وأصول الفلسفة القياسية).
د ـ القول بوحدة الأديان :
و اشتهر عنه القول بوحدة الأديان ، و لا نحتاج كثيرا من الأدلة لاثبات هذه التهمة لكونها من ثمرات الاعتقاد بوحدة الوجود، كما أن صِلاته باليهود و النصارى و دولهم ، و كذلك صِلاته بغيرهم من أهل الملل تؤكد هذا الأمر ، وكذلك انتسابه وترؤسه للمحافل الماسونية التي تدعو الى ذلك بكل صراحة ووضوح .
يقول "شيخ الاسلام" ـ في الدولة العثمانية ـ مصطفي صبري عن دعوة الأفغاني ومحمد عبده :
(( وأما الدعوة الإصلاحية المنسوبة الى محمد عبده فخلاصته أنه زعزع الأزهر عن جموده على الدين !! فقرب كثيراً من الأزهريين الى اللادينيين ولم يقرب اللادينيين الى الدين خطوة وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني كما أنه شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر )) ( 1/133-134 .
و يقول تلميذه محمد عبده :
(( وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة وصحفاً متصادقة يدرسها أبنا الملتين ويوقرها أرباب الدينين فيم نور الله في أرضه ويظهر دينه الحق على الدين كله )) ، ( الأعمال الكاملة لمحمد عبده جمع محمد عمارة ( 2/363-364)
هـ القول بنظرية النشوء و الارتقاء :
و اشتهر عنه القول بنظرية النشوء و الارتقاء ، و هي تهمة متفرعة عن التهمة الأولى ـ الإلحاد ـ ، يقول الشيخ رشيد رضا ـ عن الافغاني ـ :
(وكلامه في النشوء والترقي يشبه كلام داروين) . انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .
أعلم أن الموضوع طويل لكنه بحق مهم
آية الله مازندراني !!
للأستاذ / محمدبن حسن المبارك .
لا يمكن أن نمر على تاريخ الماسونية في مصر دون أن نعرِّج على سيرة من وُصِف بأنه مؤسس المدرسة الإصلاحية و أستاذها الأول جمال الدين الأفغاني ، أو "المازندراني"
ـ فمن هوالأفغاني ؟؟
ـ ولماذا جاء إلى مصر ؟؟؟؟
نسبه :
هو جمال الدين هو جمال الدين بن صفدر المازندراني المعروف بالأفغاني ولد عام 1254هـ 1838م ، و قد اختلف في نسبه و بلدته كما سيأتي
عقيدته:
يعد جمال الدين الأسد آبادي من الشخصيات التي لايزال الغموض يكتنفها والسرية تحوط معظم تصرفاتها ، إذ كان الافغاني ذا علاقة مريبة باليهود والنصارى والمرتدين ، و صلة وثيقة بالمحافل الماسونية ، بل رئيساً لأحدها وهو محفل كوكب الشرق في القاهرة، و لذلك لم يعدم الافغاني من علماء الاسلام من يفتي بكفره و انحلاله ، فقد اتهم الأفغاني بالإلحاد و الخروج من ربقة الدين عدة مرات والذي يقرأ مؤلفات الأفغاني ورسائله التي كان يرسلها لتلامذته وأتباعه يرى من خلالها أنه كان صاحب عقيدة غير سوية .
و كذلك رسائل تلامذته إليه مما ينضح بالغلو القبيح و الشرك الصريح ، فمن ذلك رسالة الشيخ محمد عبده إلى إستاذه جمال الدين الأفغاني بتاريخ 5 جمادي الأولى سنة 1300 ، يقول فيها :
( ليتني كنت أعلم ماذا أكتب لك ، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك ، صنعتنا بيدك وافضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم ، فيك عرفنا أنفسنا ، وبك عرفناك ، وبك عرفنا العالم أجمعين ، فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب ، وهو علمك بذاتك ، وثقتك بقدرتك وارادتك ، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب .
أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب واعقل العقول ، واتصرف بها في خواطر النفوس ، ومنحت منك عزمة أتعتع بها الثواب ، وأذل بها شوامخ الصعاب ، وأصدع بها حم المشاكل ، واثبت بها في الحق للحق حتى يرضى الحق ، وكنت أظن قدرتي بقدرتك غير محدودة ، ومكنتي لا مبتوتة ، ولا مقدورة ، فإذا أنا من الأيام كل يوم في شأن جديد ) .
إلى أن يقول :
( فصورتك الظاهرة تجلت في قوتي الخيالية وامتد سلطانها على حسي المشترك ، وهي رسم الشهامة ، وشبح الحكمة وهيكل الكمال ، فإليها ردت جميع محسوساتي ، وفيها فنيت مجامع مشهوداتي ، وروح حكمتك التي احييت بها مواتنا ، وأنرت بها عقولنا ،ولطفت بها نفوسنا ، بل التي بطنت بها فينا ، فظهرت في اشخاصنا ، فكنا اعدادك ، وأنت الواحد وغيبك ، وأنت الشاهد ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في قبلة صلاتي ، رقيبا على ما أقدم من أعمالي ، ومسيطر علي في أحوالي ، وما تحركت حركة ولا تكلمت ولا مضيت إلى غاية ولا انثنيت عن نهاية حتى تطابق في عملي أحكام أرواحك ؛ وهي ثلاثة فمضيت على حكمها سعيا في الخير ، واعلاء لكلمة الحق ، تأييدا لشوكة الحكمة ، وسلطان الفضيلة ، ولست في ذلك إلا آلة لتنفيذ الرأي المثلث ، ومالي من ذاتي إرادة حتى ينقلب مربعا غير أن قواي العلية تخلت عني في مكاتبتي إليك ، وخلت بيني وبين نفسي التزاما لحكم ان المعلول لا يعود على علته بالتأثير على أن ما يكون إلى المولى من رقائم عبده ليس ألا نوعا من التضرع والابتهال لا أحسب فيه ما يكشف خفاء أو يزيد جلاء ، ومع ذلك فإني لا أتوسل إليك في العفو عما تجده من قلق العبارة وما تراه مما يخالف سنن البلاغة بشفيع أقوى من عجز العقل عن إحداق نظره إليك واطرق الفكر خشية منك بين يديك ، وأي شفيع أقوى من رحمتك بالضعفاء وحنوك لمغلوبي حياء ) .
ثم يقول أيضا :
( أما ما يتعلق بنا فإني على بينة من أمر مولاي ، وان كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم ، ولكن ليس في استطاعته أن يشك نفسه في نفسه ، ولا أن يقنع عقله إلا على بالمحالات وإن كان في طوعه أن يقنع بها من أراد من الشرقيين والغربيين)انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155 .
قال الشيخ فهد الرومي معلِّقاً على خطاب محمد عبده :
( وهي عبارات ولا شك خطيرة توجب إعادة النظر في عقيدة الرجل عند من لا تخدعه الأسماء ، وقد استغرب السيد رشيد رضا نفسه هذه الرسالة من إستاذه حيث قال عند سياقه لها :
"ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين عقب النفي من مصر إلى بيروت ، وهو أغرب كتبه ، بل هو شاذ فيما يصف به استاذه السيد مما يشبه كلام صوفية الحقائق والقائلين بوحدة الوجود التي كان ينكرها عليهم بالمعنى المشهور عنهم ، وفيه من الإغراق والغلو في السيد ما يستغرب صدوره عنه ، وإن كان من قبيل الشعريات وكذا ما يصف به نفسه بالتبع لاستاذه من الدعوى لم تُعهد منه البته" ) .
انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155
فمن تلك التهم :
أـ الإلحاد :
ـ إذ قال عنه تلميذه النصراني سليم العنجوري في "شرح ديوان سحر هاروت"
عند ترجمته له : إنه سافر إلى الهند وهناك أخذ عن علماء البراهمة والإسلام أجل العلوم الشرقية والتاريخ ، وتبحر في لغة "السانسكريت" أم لغات الشرق .
وبرَّز في علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقدمية العالم ، زاعماً أن الجراثيم الحيوية المنتشرة في الفضاء هي المكونة ـ بطرق وتحول طبيعيين ـ ما نراه من الأجرام التي تشغل الفضاء ويتجاذبها الجو ، وأن القول بوجود محرك أول حكيم وهمٌ نشأ من ترقي الإنسان في تنظيم المعبود على حسب ترقيه في المعقولات . انظر : تاريخ الأستاذ الإمام (1/43 ) .
و هذه ـ بالضبط ـ هي عقيدة حكماء مصر القديمة ، التي تتبناها الماسونية من وراء حجاب ، و تُظهِرها في فترات متباعدة ـ و في مقاسات متعدِّدة .
إذ أن فلسفة الكابالا اليهودية القائمة على أرثٍ فرعوني قديم تقوم على أساس أن الكون تشكَّل بنفسه وتطور تلقائياً بعوامل المصادفات العشوائية.
يقول مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" :
( كان المصريون القدماء يؤمنون بأن المادة كانت موجودة منذ الأزل، حيث أن الدنيا وجدت بولادة النظام من رحم الفوضى والعماء و الظلام ـ وهو نفس ما كان يعتقده السومريون أيضاً ـ ، وكان لهذه الهاوية قوة داخلية ثم أمرت هذه القوة الخالقة نفسها ببدء النظام. ولم تكن هذه القدرة السرية الموجودة داخل المادة في هذه الفوضى على وعي بذاتها... كانت هذه القوة احتمالاً من الاحتمالات وقوة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء.
ويعلِّق مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" على تلك الفلسفة المصرية الوثنية بالتطرق إلى امتداداتها الحديثة قائلَين:
"..والغريب أن هذا التعريف للخلق يتطابق تماماً مع النظرة الحالية للعلم الحديث ولا سيما مع "نظرية الفوضى" من ناحية تطور الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضياً مكررة نفسها رياضياً ونتيجة للنظام".
.. والمذهل في الأمر أن هذه الفلسفة المصرية الوثنية هي الفلسفة المطروحة في أيامنا الحالية من قبل أنصار "نظرية التطور" و"نظرية الفوضى" لا سيما في مجموع طروحات ماركس و دارون مع الفلسفة الهيغلية ، إلاَّ أن الافغاني رجع الى المصادر القديمة .. فتأمل!
ـ كما اتهمه بعض علماء الأزهر بالإلحاد أيضاً ، ومنهم الشيخ عليش مفتي المالكية .
بل حتى المستشرق البريطاني (ايلي كدوري) كان يعتبر الأفغاني ملحداً، ، ودليله على ذلك عبارةُ للأفغاني ـ خلال محاورةٍ له مع المستشرق الفرنسي (رينان) ـ يقول فيها «لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين» .
وكذلك كان "كدوري" يعتبر تلميذ الأفغاني "محمد عبده" ملحداً ، مستدلاً يقول الشيخ محمد عبده في رسالة لأستاذه بتاريخ 8 شعبان سنة 1300 هـ :
( نحن الآن على سنتك القويمة لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ، ولهذا لو رأيتنا لرأيت زهادا عبادا ركعا سجدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ...) ، انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص161
، و الحاصل أن تلامذة الافغاني ساروا على نفس طريقة شيخهم ، وهي محاربة الدين باسم الدين ، كما قرَّر ذلك الشيخ محمد عبده شخصيا ، و بقلمه أيضاً .
وقد اشتهرت عنه هذه التهمة ، و لعلَّ ذلك هوما جعله يكتب رسالته في الرد
على ا لدهريين ـ مع أنه من أكابرهم ـ ليدفع عنه هذه التهمة.
يقول شبخ الاسلام مصطفى صبري ـ عن محمد عبده ـ فلعله وصديقه أو شيخه جمال الدين أراداأن يلعبا !!! في الإسلام دور لوثر وكالفين زعيمي البروستانت
في المسيحية فلم يتسنَّ لهما الأمر لتأسيس دين حديث للمسلمين ، وإنما اقتصر تأثير سعيهما على مساعدة الإلحاد المقنع بالنهوض والتجديد )) ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 1/144)
ب . القول بأن النبوة مكتسبة :
ـ و في بلاد الأناضول رماه علماء الأستانة بالإلحاد و المروق من الدين إثر محاضرة ألقاها في دار الفنون ذكر فيها أن النبوة صناعة مكتسبة .
ـ وحكى عنه شيخ الإسلام في الدولة العثمانية "حسن أفندي فهمي" أنه جعل النبوة صنعة وسوَّى بينها وبين الفسلفة فأمر شيخ الإسلام الوعاظ وأئمة المساجد أن يهاجموه حتى اضطر لمغادرة الأستانة .
و قال عنه تلميذه النصراني سليم عنجوري:
( ارتجل خطبة في الصناعات غالى فيها إلى حد أن أدمج النبوة في عداد الصناعات المعنوية فشغب عليه طلبة العلم وشددت عليه صحيفة النكير ) " تاريخ الأستاذ الإمام 1/44"
ج ـ وحدة الوجود :
ـ كما وصف الشيخ رشيد رضا ـ تلميذ تلميذه محمد عبده ـ الأفغاني بأنه كان يميل إلى وحدة الوجود التي تشتبه فيها كلام الصوفية بكلام الباطنية ،يقول رشيد رضا: (كان يميل لوحدة الوجود التي يشتبه فيها كلامه مع كلام الصوفية الباطنية ). انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .
ويؤيد ما قاله رشيد رضا ما قاله تلميذ آخر للأفغاني وهو أديب إسحاق عندما قال فيه : (كان يميل للتصوف في بدء حياته فانقطع حينًا بمنزله يطلب الخلوة لكشف الطريقة وإدراك الحقيقة ثم خرج من خلوته مستقر الرأي على حكم العقل، وأصول الفلسفة القياسية).
د ـ القول بوحدة الأديان :
و اشتهر عنه القول بوحدة الأديان ، و لا نحتاج كثيرا من الأدلة لاثبات هذه التهمة لكونها من ثمرات الاعتقاد بوحدة الوجود، كما أن صِلاته باليهود و النصارى و دولهم ، و كذلك صِلاته بغيرهم من أهل الملل تؤكد هذا الأمر ، وكذلك انتسابه وترؤسه للمحافل الماسونية التي تدعو الى ذلك بكل صراحة ووضوح .
يقول "شيخ الاسلام" ـ في الدولة العثمانية ـ مصطفي صبري عن دعوة الأفغاني ومحمد عبده :
(( وأما الدعوة الإصلاحية المنسوبة الى محمد عبده فخلاصته أنه زعزع الأزهر عن جموده على الدين !! فقرب كثيراً من الأزهريين الى اللادينيين ولم يقرب اللادينيين الى الدين خطوة وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني كما أنه شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر )) ( 1/133-134 .
و يقول تلميذه محمد عبده :
(( وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة وصحفاً متصادقة يدرسها أبنا الملتين ويوقرها أرباب الدينين فيم نور الله في أرضه ويظهر دينه الحق على الدين كله )) ، ( الأعمال الكاملة لمحمد عبده جمع محمد عمارة ( 2/363-364)
هـ القول بنظرية النشوء و الارتقاء :
و اشتهر عنه القول بنظرية النشوء و الارتقاء ، و هي تهمة متفرعة عن التهمة الأولى ـ الإلحاد ـ ، يقول الشيخ رشيد رضا ـ عن الافغاني ـ :
(وكلامه في النشوء والترقي يشبه كلام داروين) . انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .